ادب وثقافةمحلية

عندما يسقط الوشاح .. تنتصب الرقاب

11 فبراير/ عمار السوائي

في كتابه الجميل ( الانبهار والدهشة ) أورد الروائي اليمني المبدع/ زيد مطيع دماج ، مشهد قصصي يلخص حادثة إعدام الوشاح ( سياف الإمام المفضل ) ، يقدم دماج هذا المشهد بروح متقدمة ووعي مختلف ، كأنه يخاطب المتلقي عن رمزية إعدام سيف الإمام ومقصلته ، الكثير من التفاصيل السردية تشدك باتجاه فكرة مختلفة ، تقع خارج إطار الحدث المجرد ، فهو يسرد بجمل محفزة تفاصيل بسيطة لكنها ذات تأثير عميق على طريقة تلقيك للفكرة الكائنة وراء المشهد القصصي ، يسرد الروائي دماج ، الحادثة التي كانت سبباً في وصول الوشاح لساحة الإعدام ، وهي ( شربة ماء ) إذ كان الوشاح يحتفظ بـ( كوز ) يجعل الماء بارداً طيلة اليوم في إحدى النوافذ ، فقام ( عكفي ) من حراسة الإمام بارتشاف قليل الماء من كوز الوشاح ، وصادف أن شاهده الوشاح فجن جنونه وبادرة بطلقة نارية أوردته المهالك ، ثارت ثائرة الجنود ولم يكن هناك بد ولا مهرب من سجن الوشاح ومحاكمته ، بل والحكم عليه بالإعدام ، خلافاً لما يتوقع الناس حدوثه ، لا ينسى دماج هنا الإشارة إلى أن الحادثة وقعت بعد أحداث 1955م المعروفة تاريخياً بثورة الثلايا ، وفي هذا إيحاء ذكي للمتلقي بتخلخل منظومة الطغيان انطلاقاً من تغير سلوك القرار من العنجهية إلى الخضوع ، وردت أيضاً العديد من الإشارات ذات الدلالة الإيحائية التي تحيلنا لفكرة تداعي نظام الطاغية ، وهو لم يذكرها صراحة ، كتصوير حضور جموع غفيرة من سكان تعز لم يسبق لها أن احتشدت لحضور إعدام في ساحة العرضي ، وأيضاً التفصيل القصصي العبقري المتعلق بتواجد ممثلي بعثات دبلوماسية بالرغم من عدم تلقيهم دعوة لحضور مشهد الإعدام ، ثم التفصيل حول تغيب الإمام لأول مرة عن فعالية جز الرقاب التي لم يحدث أن فوتها من قبل أو تغيب عنها وهو الحريص كل الحرص على مشاهدة أوامره وفرماناته تتحول لضربة موت تفصل العنق عن الجسد بيد السياف الماهر ، وأخيراً يضع التفصيل الأكثر عبقرية حول تهاوي السياف الجبار ، أو من ظن الناس أنه يحمل قلباً جباراً لا يلين ، الوشاح وهو يتخاذل ويعجز عن الوقوف على قدميه ، ثم الوشاح وهو يستعطف زميليه المكلفين بتنفيذ الإعدام ، ثم الوشاح وهو يبكي ، ما دفع السياف المكلف بتنفيذ الحكم للصراخ في وجهه بما معناه ( تماسك لا تبكِ مثل النساء ).

إن رمزية مغادرة الوشاح عالم الإمام ، تتجاوز معنى خسارة كادر وظيفي نادر ، تبلغ العمق وهي تجعل من الوشاح فقط تفصيلاً أو خيطاً في منسج كبير يقود إلى الأبعد من شخصه والأبعد حتى من شخص الإمام ، فهو يصور وضعية النظام الإمامي في مواجهة حركة الانعتاق والتحرر التي يقوم بها الثوار إضافة لسقوط الهيمنة والخشية من الطغيان في ذهنية الناس.

عند بلوغ هذا الحد مع الروائي دماج ليس مهماً تكملة الكتاب ، ولا ما تتضمنه بقية فصوله وصفحاته فبعض العبارات تختصر تاريخ اللغة ، وبعض التواصيف توجز المراد الإنساني.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة لـ منشور برس2018©. انشاء وترقية MUNEER