ذاكرة فبراير

ذكريات فبرايرية

11 فبراير _ محمد الصلوي

حينما اندلعت الثورة كنتُ طالبا في جامعة ذمار ، تركتُ الجامعة، وتوجهت للساحات والشوارع، اهتف، واحلم بوضع أفضل، كنت شاب في العشرين من عمره، لا امتلك شيء عدا حلمي، وصوتي فقط، وحبي لهذه البلاد، لهذا كنت مستعد ان ادفع حياتي ثمن،تلك الأحلام النقية، فما بالك بترك الجامعة والدراسة، ليس وقت الدراسة الآن، هناك حلم أكبر، حلم يتعلق بالبلد ومصيرها، انقطقت عن الجامعة، وتفرغت للثورة، كان زملائي المشاركين بالثورة ينصحوني، تعال الصباح للجامعة، والعصر اذهب للساحة، لاداعي لقرارك هذا، كان ردي لهم دائماً، بعد انتصار الثورة، سنقيم حفل كبير، سنغني فيه وسنرقص وسط الجامعة، وسنواصل الدراسة في وضع أجمل، وجامعة مزودة بكافة المعامل، وفي كل التخصصات، كنت اقول تلك الأحلام بحماس، وشغف، لأني أمنت بها، لكن زملائي، مصرين بأن قرار وقفي للدراسة غير صحيح، وينصحوني بان احضر للجامعة حتى في الأسبوع يوم واحد، موقفي ثابت، لا يمكن الا بعد الانتصار، تركوني لقراري، حتى جاءت الاختبارات النهائية، فعاودا نصيحتهم، أحضر أقل شي الاختبارات، سنكون جوارك، اخذت منهم موعد أول اختبار، وفي أي قاعة جاء إسمي، واخذوا مني وعد بأن احضر أول اختبار، وفعلاً حظرت، لكن من أجل شيء، كنت قد رتبته في عقلي وقلبي، وصلت إلى قاعة الاختبار، وجلست في مكاني المخصص، على نظرات فرح اصدقائي، وزعت أوراق الأسئلة ولم أقرأ سؤال واحد، بعدهاوزعت دفاتر الإجابة، استلمت دفتري، وبدات بكتابة البيانات المخصصة للطالب في غلاف الدفتر.
الإسم: مازن البذيجي
الكلية: ساحات الثورة
التخصص: الهتافات
رقم الجلوس: 11فبراير
قلبت الصفحة الأولى واخذت نفس، وكتبت في رأس الصفحة” دعونا نحلم”
وكتبت في بداية الورقة ثلاثة اسطر فقط مازلوا عالقين في ذاكرتي للابد” أنا شاب في مقتبل العمر، احلم بوطن يسوده الرخاء يسكنه الجميع متساوين في الحقوق، واحلم بجامعة لديها معامل ومسارح مثل التي اشاهدها في التلفزيون، احلم بأن تراني أمي بعد الجامعة وانا في وظيفتي، وبدولة تمنحني حقوقي، بقوة القانون لا بقوة السلاح، لا علاقة لي بأحد ولا أفهم في دهاليز السياسية، كل ما أفهمه اننا نعيش في بلد مسلوب، ومنهوب، وشعب منكوب، فدعونا نحلم سويا، بوطن وعيشة ووضع افضل، اعتقد بأنك توافقني الرأي يادكتور، أنت يامن سيصل اليك هذا الدفتر، اعتقد بأن الأحلام ليست جريمة، في وقت تحاصرنا الكوابيس من كل إتجاه، فدعونا نحلم”
تتفست، ولفت لاصدقائي المنهمكين في قراءة الاسئلة، ورفعت يدي للمراقب، معلنا انتهائي من الاختبار، مسرع عادها ما جزعت عشر دقايق، انتظر حتى يمر نص الوقت رد المراقب سريعا، اخذت ادواتي واقلامي من الطاولة فقمت مباشرة باتجاه المراقب، واعطيته الدفتر، مع ابتسامة صغيرة وقلت” كل ما فهمته كتبته وجاوبت على أهم الاسئلة فلا داعي للتاخير” طيب راجع اجاباتك! راجعت كل شيء، اعطيته الدفتر وخرجت مباشرة ، ونظرات الاستغراب تملىء القاعة.
لا أعرف ماذا كان شعور، الدكتور الذي وصل إليه كلامي، لكني شعرت بأني سجلت موقف، بصفتي شاب يحلم، ومستعد لأي شيء من أجل حلمه، كانت هذه اول زيارة للجامعة منذ اندلاع الثورة، اما زيارتي الأولى بعد نزيف الحلم، وتقاطعت الطرق، فكانت الاسوأ في حياتي، رجعت منكسر، مثل قائد عسكري قُتل كل جيشه عداه، رجعت واصبحت صامتا طوال الوقت، لم اعد محمد الذي يعرفوه ، ماذا عليّ ان اقول لتلك الأحلام التي نثرتها على زملائي، ماذا لو عرف الدكتور بأن تلك الكلمات كلماتي، وطرح لي سؤال؟ حينما اختنق من نظراتهم، وهمساتهم وهم يقولون” وقف جامعته، وكان بيموت، وجلس يهتف بالشوارع بالاخير ولا حقق شيء للبلاد، ولا حتى لنفسه،مازال حانب بحق الباص زي ما كان، قد كنا ننصحه”هنا انفجر كنا صادقين ايها الاوغاد، صادقين، وانقياء، كنا نحلم بصدق، كنا شباب في أول العمر، لم نفهم من الحياة شيء، شاب لم يستطيع ضبط اوقات نومه، وتريدوه ان يحرس حلمه، وينتصر، ولا يمتلك شيء عدا صوته وصدره العاري وحلمه، لو كنت غير صادق، ما وصل بي الحال لتسخروا مني”.
واصلت جامعتي مع زملاء جدد، وبثقوب في الروح جديده، وبتجربة عرفت خلالها بذاتي وتنفست حرية، لم اتنفس مثلها طوال العمر،لكنها تجربة مؤلمة، اخذتني لمربع آخر، من الاحباط والشعور بالخذلان، تجربة اثقلت روحي، اضافت لي الكثير، لكنها سلبتني الكثير جداً، حولت نظام حياتي إلى مكان آخر، ادخلتني دهاليز نفسية سيئة،اعاني منها للان، اعتقد هناك الكثير من الشباب المشاركين بالثورة سيطر عليهم الاحباط وأصيبوا بنوبات نفسية صعبة، مازلت مؤثرة عليهم إلا الان، فالتجربة صعبة، عشناها بجوارحنا ونقاءنا، وصدقنا،واحلامنا ، كنا مستعدين للموت في سبيل تلك الأحلام، لهذا كانت الصدمة كبيرة جداً، لم نكون نتوقعها أبداً، أبداً.
خذلنا نعم، لكننا لم نندم، هكذا كنا نردد طيلة العقد السابق، لكن الآن، لم اعد أعرف هل ما كنا نقوله صحيح وصادق ام نقوله من باب المكابرة والدفاع عن موقفنا فقط، اما مطالبنا واحلامنا فلم نعد نتحدث عنها، بعيدا عن انتكاستنا النفسية والوطنية، أنا شخصيا بعد عشر سنوات للثورة مازلت مقتنع بصدق بأننا خذلنا لكننا لم نندم على موقفنا، اعتقد مازلت مؤمن بهذا الكلام حتى اللحظة، لكن هل سأكون مؤمن به في الاعوام القادمة؟ لا أعرف..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة لـ منشور برس2018©. انشاء وترقية MUNEER