كتابات
وقفات نقدية مع كتاب (اليمن واليمنيون) الحلقة الاولى

محمد ناجي أحمد
11 فبراير _ كتابات
في كتابه(اليمن واليمنيون-ذكريات دبلوماسي روسي) للدكتور (أوليغ بيريسيبكين)والصادر بطبعته الثانية عام 2005م عن دائرة التوجيه المعنوي-صنعاء- نجد العديد من الأخطاء التي يقع فيها المستشرقون حين يتناولون تاريخ ووقائع ومكونات اجتماعية لبلد ما، حتى لو كان هذا المستشرق قد عاش تلك الفترة في البلد الذي يكتب عنه.
المؤلف عمل مترجما في بعثة الاتحاد السوفيتي بالمملكة المتوكلية في يوليو 1959م، وعمل سفيرا خلال الأعوام 1980-1984م.
يرى المؤلف أن الأمير محمد البدر هو من أخمد انقلاب 1955م. والحقيقة أن محمد البدر الذي كان في الحديدة كان قد بدأ بمراسلة القبائل ، وعزم على التحرك إلى حجة لاستنهاض القبائل وإسقاط الانقلاب على ذات النهج الذي سار عليه أبوه حين وأد حركة 1948م، وقد أشار له بذلك الأستاذ أحمد محمد نعمان، والذي تخلص من قادة انقلاب 1955م بأن أقنعهم أن يرسلوه إلى الحديدة كي يطلب من الأمير محمد البدر مبايعة عمه سيف الإسلام عبدالله إماما، وكونه الأستاذ النعمان الأقدر على إقناع البدر بذلك، فالأستاذ أحمد نعمان أستاذه ومربيه.
وبهذه الحيلة استطاع النعمان أن يُخلِّص نفسه من المشاركة بانقلاب كانت كل المؤشرات وطبيعة القوى تؤكد فشله.
وفعلا استطاع الإمام أحمد أن يتواصل مع الشيخ المحجاني في قلعة القاهرة، وكذلك الجنود المرتبين في جبل صَبِر، ثم بجرأة فك الحصار على القصر حين واجه الجنود المكلفين باعتقاله داخل القصر، ولسيطرة السلطة على النفوس استسلم الجنود للإمام أحمد وسلموا، ثم بدأ الضرب على الجيش في الميدان من صبر ومن قلعة القاهرة ومن القصر، وكان لمجاميع حاشد وعلى رأسهم حميد بن حسين الأحمر دور في إفشال انقلاب 1955م.
يقول المؤلف “وأمر الإمام أحمد بخنق شقيقيه الأمير عبد الله والأمير عباس في سجن مدينة حجة”ص43. وما حدث هو أن الإمام أحمد بعد فشل الانقلاب عليه، وأعدم المقدم أحمد الثلايا وعدد من المشاركين في هذا الانقلاب، تم قود عبد الله والعباس إلى سجن حجة ثم إعدامهم وليس خنقهم!
تقبيل الركب وتقديس الألقاب:
تقديس الألقاب وتقبيل الركب عادة تناقلها اليمنيون منذ الاحتلال العثماني في اليمن، وعلى نهج الأتراك سارت المملكة المتوكلية بسادتها وقضاتها.
يقول المؤلف “ولذلك فإن التوجه إلى السادة بالحديث من دون ذكر ألقابهم يمكن أن يعتبر تحقيرا مقصودا من قبل المحاور ويجعله غير مرغوب به” وعن القضاة يقول “وغطيت الجبة القاضي حول الركبة اليمنى ببقع من اللونين الأصفر والأخضر وهي آثار قبلات طالبي العون. ففي العادة عندما يدخل طالب المساعدة الفقير إلى القاضي يجلس القرفصاء، وفق الطريقة التركية، وهو ينحني لتقبيل اليد ويلامس الركبة وإذا كان ذلك قد مضغ القات أو التبغ فيبقى على الجبة آثار يصعب إزالتها بالغسيل”ص47.
القاضي محمد راغب بك:
عن القاضي محمد راغب بك رفيق الوالي التركي في اليمن، والذي بقي في صنعاء بطلب من الإمام يحيى بعد نيل اليمن لاستقلالها من الأتراك في 4نوفمبر 1918م، يقول المؤلف “كان شخصا متعلما يتقن إضافة إلى اللغة التركية اللغات الفرنسية والروسية والعربية، كونه في بداية القرن العشرين عمل بصفة سكرتير أول في سفارة الامبراطورية العثمانية في سانت بطرسبورج، واقترن بفتاة روسية تدعى لودميلا فولكوفا التي كانت معه في صربيا وألبانيا ووصلت إلى اليمن.
رزقت لودميلا فولكوفا بفتاتين إحداهن عزيزة التي تزوجت من ابن الإمام يحيى سيف الإسلام قاسم والثانية غادرت إلى اسطنبول”.
يذكر الأستاذ عبد الله البردوني أن البريطانيين في عدن من خلال مراسلاتهم مع الإمام يحيى كانوا يحذرونه من محمد راغب بك ويصفونه بالشيوعي. لكن الإمام يحيى لم يكن يلتفت لهذه التحذيرات كون الاتحاد السوفيتي لا يشكل خطرا على مملكته. ولذلك عقد معهم اتفاقية صداقة وتجارة عام 1928، وهي أقدم اتفاقية للاتحاد السوفيتي في المنطقة العربية.
تزوجت الابنة الثانية بسيف الإسلام أحمد، لكنها بعد فترة طالبت بالطلاق وتم لها ذلك، ليتزوجها طبيب الأسنان مدحت باشا، وكان الطبيب مدحت يوصف بأنه من الشيوعيين، بحسب ما أورده الأستاذ عبد الله البردوني عن جذور الشيوعية في اليمن. لكن البردوني يروي دون أن يحيل ذلك إلى مرجع أو مصدر. فما يرويه الدكتور أوليغ بيريسيبكين في كتابه هذا من أن محمد راغب بك وزير خارجية الإمام يحيى عمل في بداية القرن العشرين في سانت بطرسبورج يعزز من الذهاب إلى القول بعلاقة راغب بك وصهره الطبيب مدحت بالشيوعية آنذاك.
الزرانيق وبريطانيا:
كان لدى الاتحاد السوفيتي معطيات عن روابط لشيوخ قبيلة الزرانيق مع البريطانيين. ولهذا فقد هنأ حاكيموف الأمير أحمد بالنصر على الزرانيق في مايو 1929. ولأن موقف الاتحاد السوفيتي كما يرى المؤلف كان يدعو إلى وحدة اليمن، ويدين المزاج الانفصالي.
لكن وقائع التاريخ السياسي اليمني المعاصر يؤكد أن الاتحاد السوفيتي لم يكن مع وحدة اليمن بعد قيام جمهورية في الشمال وجمهورية في الجنوب، بل كان تحرك الرئيس إبراهيم الحمدي والرئيس سالم ربيع علي نحو خطوات وحدوية عام 1977م من الأمور المقلقة للاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية على حد سواء!
وفيما يتعلق بالروابط بين الزرانيق وبريطانيا فإن تواصل شيوخ قبائل الزرانيق بالمحامي محمد علي لقمان الذي أوفدته بريطانيا بداية عشرينيات القرن العشرين إلى الحديدة ليستشف لها مزاج القبائل وولاءها هل هي مع الإدريسي أم مع الإمام يحيى أم مع بريطانيا، فقد نصح محمد علي لقمان شيوخ الزرانيق بكتابة عريضة إلى عصبة الأمم يطالبون فيها بالاستقلال. وعند عودته إلى عدن سلم لقمان صورة نسخة من التقرير إلى الحاكم البريطاني في عدن ونسخة تم تسليمها لعصبة الأمم!