
الليل الشتوي القارس أرحم من هذا الحر الذي يكاد يلتهم وجهي، ألست محقاً أم أن الإنسان ينفر من واقعه و يتذكر الماضي حتی وإن كان سيئاً قد كبل الجسد والنفس، ولم تستطع مقاومته إلا بالبحث عن حفنة دفء ، وإذا حصلنا علی القدر الكافي منه صار عدواً لنا، كما يحدث معي الآن.
أتذكر في ليلةٍ من ليالي عام 2010 وأنا في مدينة المكلا أن نسمةَ ريح مرت تداعب وجهي، كانت لحظات استطاعت أن تزيد لوعة العودة إلى الوراء، حيث كانت النسمات جزءاً من حياتي، إشتقت حينها لصنعاء رغم أنها كانت كالعدو بالنسبة لي، ولكنها كانت تناسب هذا الصبي الذي فر منها باحثاً عن الجديد .
المكلا مدينةٌ ساحرة أهلها طيبون جداً وبحرها كان المتنفس الوحيد لي، في الليل أجلس علی الكورنيش وحدي، أشاهد القمر والأمواج وهي ترتطم بالصخور، لوحةٌ رسمتها الطبيعة لساكني المدن الساحلية، لكنهم اعتادوا مشاهدتها كل يومٍ ولم يعرفوا قط محاكاتها، لتكون قصيدةً أو لوحة فنية، أو نصاً نثرياً … كنتُ قد أقمت علاقات صداقة مع فتية بعمري من أهالي المكلا، كانوا يسألون عن صنعاء دائماً، سألني أحدهم يوماً : صنعاء كبيرة؟! أجبته : كبيرة جداً، قال : مثل المكلا؟! ذهلتُ : المكلا قرية صغيرة رابظة علی البحر .
الشاطئ
الخميس من كل أسبوع كان موعدنا مع الشاطئ، كان لي صاحب اسمه أسامة يعمل في مطعم وجبات سريعة، عمره مثلي تقريباً، كنا نجلس عند الشاطئ ليحكي لي عن حبيبته لا أتذكر اسمها، لكني أتذكر صوته وصوت الموج وهما يمتزجان، يعبران عن قسوة الحياة التي يتكبدها أسامة من أجل عائلته في تعز.
ليالي الستين ( ساحة العروض في المكلا، وهي شاطئٌ رملي ومزار لأبناء المدينة) لا تضاهيها كل الليالي الملاح التي عشتها هنا في صنعاء أو في قريتي، كانت لها لذةٌ لا يمكن وصفها…
العودة إلى الوراء
ذكريات مدينة المكلا تجعلني أنسی ما أنا عليه اليوم، جعلتني أتذكر الماضي وأنسی أنه يمكن أن أری الجمال هنا في صنعاء ولكن من دون البحر، يمكنني أن أبحث عن السعادة في هذا الظلام، أستطيع ذلك دون النظر إلی الوراء وتذكر الأيام التي لا يمكن أن تعود … لن أطلب الشتاء إذاً والبرد القارس ليمنع عني حر المساء، سأبحث عن بدائل أخری يمكنها أن تمنح هذا الحر جمالاً وتمنحني وقتاً لأكتبَ ترهة جديدة، ستكون للمستقبل الذي سيأتي سيأتي..ِ
ِ
23٬741 تعليقات