ذاكرة فبرايركتابات

تعب الأسماء

سلمان الحميدي

عفوًا.. لم أنتبه لاسم الصفحة التي أعجبت بها إلا بعد حين، كنت بحاجة لاستنهاض ذكريات الثانوية وأتذكر أقوى مادة حصلت فيها على أعلى الدرجات مقارنة بالمواد الأخرى، لا تخمنوا أبدًا أن درجة المادة قد اجتازت التسعين، كتبت في خانة البحث: فلسفة.
انتبهت أني أطوف في صفحة تتحدث عن آفاق الفلسفة، لست في أثينا لأتملى كأس الشوكران الذي سُقي به سقراط آخر شربة في الحياة، أنا في القرية حيث نتصايح على الأكواب البلاستيكية عند كل وجبة، وعزيز النفس من اتخذ من “تنكة الفول” كأسًا لقهوته.
أووه، تطورت الفلسفة بشكل مذهل، لم أستطع فهم شيء، قرأت لكاتب يؤكد أنه لم يعد هناك فلاسفة أحياء، لم أعد أذكر اسم الكاتب الذي أتعب أهله وهم يبحثون له عن اسم.
لم تأت الأسماء من فراغ، استحضرت أذهان الأولين شيئًا ما حين أطلقت علينا هذه الأسماء، أحيانًا تيمنًا بصاحب الاسم الذي أسماه آخر، هكذا تتسلسل عمليات العصف الذهني لنشأة الاسم.
ما الذي أكتبه؟ لا أعرف.. ذهني واقع تحت تأثير الآفاق الفلسفية.

مرة في القرية، عاد أحدهم بعد فترة اغتراب طويلة، وجد جيلًا يلعب لم يعرف أسمائهم، أزعجوه بشغبهم الطفولي، سألهم عن أسمائهم: مالك، إسماعيل، إبراهيم.. إلخ. تمتم: الأسماء ملائكة وأنبياء، والعمل شياطين وعضاريط.
أي لم يوافق الاسم العمل، ولكن تخيل نفسك باسم غير اسمك، ستضحك، أي إنسان سيجد أن اسمه مفصلًا عليه بالمليمتر، حتى حملة الأسماء الغريبة أيضًا.
من الذي سمى العفريت عضروط؟
نحن نحمل الأسماء من خصائص ديموغرافية فيما يبدو، قرأت رواية هندية طويلة، اسمها بعد الترجمة: المليونير المتشرد، أما اسمها الأصلي فهو: أسئلة وأجوبة. تم اقتباس فكرة فيلم من الرواية فاز بسبع جوائز أوسكار تقريبًا. ليس الفيلم كالرواية، هناك تغيير في الأسماء، وأهم جزئية تهمني الآن هي اسم بطل الرواية، لقد لقيه أحدهم عندما كان رضيعًا، كان لقيطة، احتار باسمه، هل يطلق عليه اسم مسيحي، أم اسم مسلم، أم اسم يهودي، في خضم حيرته اهتدى بذكاء إلى فكرة أن يطلق عليه اسمًا يجمع بين الديانات الثلاث: رام محمد توماس.

الأسماء متعبة، ولهذا غنت فيروز: أسامينا.. شو تعبوا أهالينا.. ما لقوها..
11 فبراير، الاسم الثوري الفخيم لجيل يعرفه جيدًا.
سيوافق الاسم الثورة، ولن يكون الاسم ثوريًا والعمل عضاريط. هذا ما نتمناه.
يا للتعب عند نشأة الأسماء، من تنكة الفول إلى فبراير.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة لـ منشور برس2018©. انشاء وترقية MUNEER